دراسة حول نجاعة 5 علاجات لفيروس كورونا.. والنتيجة: “لا فعالية موثّقة”
مراجعة علمية نقدية لباحثين من لبنان والسعودية وفرنسا يمكن اعتبارها علامة فارقة وسط الجائحة
بالرغم من الأزمات المتلاحقة، لا تزال “الإنتليجنسيا” اللبنانية على دأبها المتواصل في مجالات الفكر والعلم والمعرفة، تسطّر الإنجازات للبنان والعالم وإن كانت مجالات البحث محدودة محليًا، من حيث توفّر الآليات من مختبرات ومراكز أبحاث متطوّرة، إلّا أن ذلك لم يقف عائقًا دون تواجد اللبنانيين في حاضِرة هذا العالم، يساهمون في رفد العلم بوافر خبراتهم وواسع ثقافتهم، مؤكّدين أنّ ثمّة صورة مشرقة لبلدهم لا تشبه واقعه السياسي والإقتصادي المأزوم.
ما يهمنا في هذا السياق، هو تسليط الضوء على مراجعة علمية نقدية لمجموعة من الباحثين اللبنانيين، أُنجزت بالتعاون مع باحثين من السعودية وفرنسا، ويمكن اعتبارها علامة فارقة وسط الجائحة والضائقة المعيشية والإقتصادية وأزمة النفايات والفساد السياسي في لبنان وغيرها، فضلًا عن كمّ المعلومات حول علاجات سحرية لهذه الجائحة التي حيّرت العلماء وأصابت الملايين من الناس وتسبّبت بوفاة أكثر من مليوني شخص حتى الآن.
وقد تمكّن الفريق العلمي من إجراء مراجعة دقيقة ومستفيضة، تبنّاها مرجع علمي عريق، وتناولت خمسة علاجات لكوفيد-19 بمنهجية علمية دقيقة، حيث خلصوا إلى استنتاجات تدحض ما يُشاع عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي عن علاجات تشفي من هذا الوباء، لا سيما وأن هذا الفيروس لا يزال إلى حدّ بعيد غامضًا، وقد اجتاح كافة أصقاع العالم بسلالات مختلفة، وخلّف الملايين من المصابين والمتعافين، كما أودى بحياة مئات الآلاف، ولا يزال يمثّل لغزًا من نواحٍ عديدة، في حين يبقى على العلم اكتشاف خفاياه.
الفرج: الأدوية والعلاجات
وفي هذا المجال، قامت مجموعة من الباحثين اللبنانيين، بالتعاون مع باحثين من فرنسا والسعودية، بإجراء مراجعة علمية لحوالي 95 من أدبيات البحث العلمي المنشورة حول خمسة علاجات للوباء، حيث أوضحوا وبالدلائل العلمية مدى نجاعة كلّ منها، وقد نُشرت نتائج هذا البحث والمراجعة الواسعة في مجلة International Journal of Environmental Research and Public Health بتاريخ 22 كانون الثاني (يناير) 2021.
رئيس قسم علوم الأشعة والتمريض في الجامعة الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا (AUST)، والحائز على دكتوراه في التصوير الطبي الحيوي من جامعة “ليون” الأولى في فرنسا، الأستاذ المساعد (Associate Professor) أشرف الفرج، قال في حديث لـ”أحوال”: “لقد بدأنا العمل على هذه المراجعة العلمية في حزيران (يونيو) 2020، وكان علينا إختيار بعض العلاجات لسببين: الأول هو العدد الكبير من العلاجات التي كان يتم إختبارها حول العالم على مرضى كوفيد-19، والثاني هو عدم إمكانية القيام بمراجعة دقيقة ومفصّلة لجميع البيانات المتعلقة بالعلاجات المحتملة للمرض”، مضيفًا: “ولذلك إخترنا علاجًا أو اثنين في كل فئة من فئات ثلاث، إستحوذت على اهتمامٍ كبير على مستوى الدول، منها الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا واليابان، وذلك على الشكل الآتي:
-الأدوية التجريبية (أي التي يتم دراستها وليست معتمدة كعلاجات): ريمديسفير remdesivir وفافيبيرافير favipiravir.
-العلاجات المعتمدة (أي التي يتم إستخدامها لحالات مرضية معينة): هيدروكسيكلوروكوين hydroxychloroquine.
-العلاجات المساعدة (أي التي يتم إستخدامها إلى جانت العلاج الأساسي): التوسيليزوماب tocilizumab والبلازما”.
أما عن الهدف من هذا البحث في علاج كورونا، فاعتبر الفرج أن بعد انتشار الفيروس في كافة أنحاء العالم، إنتشرت معه الأخبار عن العلاجات المحتملة، وكانت تلك الأخبار ترتكز بشكل أساسي على نتائج دراسة معيّنة أو عدد ضئيل من الدراسات
من جهة، ويتم تسليط الضوء على فعالية العلاج فقط من جهة أخرى، “وما دفعنا لإعداد هذه المراجعة العلمية عن أشهر العلاجات المحتملة لكوفيد-19، هو أننا أردنا إجراء تدقيق مفصّل لجميع الدراسات التي تم نشرها حول علاج معيّن، ما يعني أننا لم نكن إنتقائيين من حيث إختيار الدراسات التي أظهرت تأثيرات سواء إيجابية أو سلبية، بالإضافة إلى أننا أردنا التركيز على عاملَين تمّ تجاهلهما عن قصد أو عن غير قصد في الدراسات والمراجعات التي تم نشرها من قبل، وهي تاريخ العلاج وسلامته”، بحسب قوله، موضحًا أن تاريخ العلاج مهم للتحقق مما إذا كانت إعادة توجيه العلاجات لكوفيد-19 منطقية خصوصاً للعلاجات التجريبية، في حين أن سلامة العلاج تُعتبر عاملًا أساسيًا لأن العلاجات يتم إعتمادها للإستخدام السريري فقط، عندما تفوق الفوائد المخاطر.
تقييم دقيق
في المقابل، وحول اعتماد 42 دراسة من أصل 95 نُشرت حول العلاجات المختلفة والمعايير التي اعتمدت لاختيارها في هذه المراجعة، قال الفرج: “عندما بدأنا العمل على هذه المراجعة العلمية، كان هدفنا التدقيق في جميع الدراسات العلمية المنشورة عن العلاجات التي اخترناها، ولكن للأسف ذلك لم يكن ممكناً بسبب عدد الدراسات الكبير من جهة، والسرعة الفائقة التي كان يتم خلالها نشر دراسات جديدة من جهة أخرى، لذلك فضّلنا القيام بتقييم دقيق لكل دراسة وتفصيل نتائج هذا التقييم بشكل واضح في المراجعة، عوضاً عن إضافة جميع الدراسات”، لافتًا إلى أن اختيار الدراسات يتم على مرحلتين، بحيث قام مؤلفان بتدقيق عناوين المقالات والملخصات في البحث الأولي لتحديد تلك المناسبة للإدراج، وبعد ذلك، تمّت قراءة النص الكامل لكل مقالة من قبل المؤلفين للموافقة على الإختيارات، ولكن بإختصار تم إختيار الدراسات ذات القيمة العلمية الأعلى، لذلك تم إدراج Randomized Controlled Trials والمعروفة اختصارًا بـ RCT، حيث يتم اختيار علاج ومقارنته بعلاج آخر أو دواء وهمي Placebo لدى المرضى بصورة عشوائية Random، وقد تكون هذه التجربة (عمياء) Blinded، أي أن المشاركين في الدراسة، سواء لجهة العلاج أو تناول الدواء الوهمي، لا يعرفون ما هو العلاج، “وبالمقابل آثرنا عدم إدراج Observational Studies أي المبنية على مراقبة وملاحظة تأثير علاج، والتي لا يمكن تعميم نتائجها على جميع المرضى”، وفقًا لـ”الفرج”.
ما هو العلاج الأفضل لفيروس كورونا وفقًا للبحث؟
وفي ما يتعلّق بالعلاج الأفضل لكورونا وفقًا للبحث، قال الفرج لموقعنا: “أعلم أن هذا الأمر سيكون خبراّ سيئاً لقرّاء هذا المقال، كما لا يمكن تقديم إجابة نهائية وحاسمة، ولكن بعد مراجعة معظم الدراسات السريرية حول العلاجات الخمسة المحتملة لكوفيد-19 التي ناقشناها، وجدنا أن أيّاً منها لم يكن لديه فعالية موثقة، كون الدراسات المختلفة أظهرت نتائج متناقضة، ما يعني أن بعض الدراسات كانت قادرة على توثيق تحسّن عند مرضى الكوفيد-19 من ناحية خطورة العوارض وتطوّر المرض ووقت الشفاء، بينما بالمقابل كانت دراسات أخرى غير قادرة على القيام بذلك”، مضيفًا: “ولكن ما يمكنني تأكيده هو أن معظم الدراسات وثقت الآثار أو العوارض الجانبية لهذه العلاجات والتي يجب الوقوف عندها، خصوصاً أن في بعض الحالات تمّ إيقاف العلاجات لبعض المرضى بسبب حدة هذه العوارض، إلّا في دراسات البلازما حيث أظهرت الآثار الجانبية التي صاحبت هذا العلاج عدم اختلافها عن العوارض الجانبية لأي عملية نقل دم”.
ضو: للتأكد من نجاعة أي علاج
وفي هذا المجال، توقفت الباحثة في مجال السموم، والكاتبة الرئيسية للمقال العلمي، فرح أنور ضو، عند التحديات التي واجهت الفريق خلال عمله البحثي، وقالت في حديث لـ”أحوال”: “لعلّ التحدي الأكبر هو العدد الكبير للدراسات وسرعة تغيّر النتائج التي تظهرها البيانات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نُشرت دراسة عن الهيدروكسيكلوروكوين في مجلة علمية مرموقة وهي The Lancet، وقد أدرجنا هذه الدراسة في المراجعة العلمية تحت الدراسات التي لم تثبت فعالية هذا العلاج عند مرضى كوفيد-19، حيث أظهرت خطورة هذا العلاج على صحة القلب، ولكن بعد عدة أسابيع على نشر تلك الدراسة، قامت المجلة العلمية بسحبها لأن البيانات والتحليلات الخاصة بها لا يمكن مراجعتها من قبل طرف ثالث، بعد أن رفضت شركة Surgisphere المصنِّعة نقل البيانات المطلوبة”.
من هنا، تابعت ضو: “وعلاوة على ذلك، واجهنا تحديًا كبيرًا فيما يخص القدرة على تقييم نتائج الدراسات العلمية والوصول إلى إستنتاجات حول فعالية وسلامة العلاجات، بسبب السلبيات المنهجية للدراسات السريرية، مثل إعطاء أكثر من علاج واحد لمرضى كوفيد-19 في نفس الوقت، وإعطاء العلاجات في مراحل مختلفة من مسار المرض، بالإضافة إلى تجاهل وجود حالات مرضية معينة والتي قد تغير تطوّر المرض والاستجابة لهذه العلاجات، ومن ثمّ عدم الكشف عن البيانات المتعلّقة بسلامة العلاج عند المشاركين في الدراسات، إلى جانب صعوبة الوثوق في الدراسات المموّلة من قبل شركات الأدوية، بالإضافة إلى الإصدار المبكر للبيانات من الدراسات السريرية التي ترعاها هذه الشركات”.
وختمت ضو حديثها لموقعنا بالإشارة إلى أنه على الرغم من كون هذه الدراسة مراجعة علمية، “فقد آلينا على أنفسنا استخدام لغة بسيطة وواضحة، من أجل مساعدة كل القرّاء، على إختلاف خلفياتهم العلمية، على معرفة العناصر التي يجب التدقيق فيها عند قراءة أي دراسة علمية، لأن التركيز على النتائج والإستنتاجات المعلنة غير كافٍ”، مضيفة: “وكون الدراسات والبيانات متاحة للجميع، نريد تشجيعهم على التحوّل من متلقين إلى باحثين عن المعلومات، والتأكّد من نجاعة أي علاج يتمّ الترويج له بصورة عشوائية قبل استخدامه”.
سوزان أبوسعيد ضو